كيمي
(1)اليوم عيداليوم عيد عظيم لأنه أقدم عيد لأقدم أمة في التاريخ. اليوم عيد رأس السنة المصرية. بل هو تاج السنة المصرية كما جاء في التبشير المصري الصحيح.
اليوم عيد. عيد سكان هذا الوادي السعيد. هذه البلاد التي سماها العبرانيون مصر. و اليونانيون EGYPTUS و حرف العرب الاسم فسموها بلاد القبط. وسماها أصحابها بل بنوها (كيمي). فكيمي لذلك أحب الأسماء الي . لأنه الاسم الذي عرف به أبناء النيل بلادهم. لا كما عرفها وسماها الغريب.فما "كيمي" هذه! كلنا يعرف كلمة "كيمياء" وقليل منا يعرف كلمة كيمي. وهي مصدر الاشتقاق. أن كيمي معناها الأرض السوداء. وقد أشتق منها العرب كلمة كيمي لأن صناعة الكيمياء – كما كانوا يظنون – مصدرها و أنا لأري في هذا معني مزدوجاً. فإذا كانت صناعة الكيمياء في عالم الطبيعة هي تحويل المعادن ذهباً فقد كانت ولم تزل مصر – بفضل النيل- تحول الطين كل عام ذهباً. ولئن كان هناك شك في أنها كانت في غابر أيامها تصنع الذهب. فليس هناك شك في أنها كانت ولم تزل تنبت أرضها ذهباً.
(2)اليوم عيد رأس السنة بل عيد كيمي.كيمي أول من وضع التقاويم.وكيمي أول من دون العلوم.وكيمي أول من وضع للثواب والعقاب يوم معلوم.كيمي أول من حمل مشعل النور في ليل من الجهالة بهيم .كيمي التي أنجبت خوفو باني الهرم. أمحوتب واضع الحكم . و تحتمس مدوخ الأمم.بل كيمي التي أنجبت ملايين الصناع الذين خلدت بهم وخلدوا بها. ذلك الزمان الذي أنطق بأزمنة السمر والنقاش الذي كاد أن يورق بين يديه الزهر. والفنان الذي وضع تصميم أبي الهول الذي غلب الدهر. بل هؤلاء الملايين من الصناع الذين أقاموا علي حفر أثارهم التي خلدت بها ملكوهم وبلادهم والتي وصفها فأجاد وصفها شوقي حين قال:
رب نقش كأنما نفض الصانع: منه اليدين بالأمس نفضاـ
ودهان كلامع الزيت مرت: أعصر بالسراج والزيت وضا
ـ وخطوط كأنها هدب ريم: حسنت صنعة وطولا وعرضا
ـ وضحايا تكاد تمشي وترعي: لو أصابت من قدرة الله نبضا
ـ ومحاريب كالبروج بنتها: عزمات من عزمة الجن أمضي
(3)اليوم عيد. عيد كيمي أول من وضع التقاويم. كان ذلك حوالي 4236 قبل الميلاد فهو أقدم حدث في التاريخ المعروف.قال هيرودث أبو التاريخ أن مصر هبة النيل. وأقول أن كل شئ في مصر يعود فضله للنيل. فأن فيضانه المنظم كل عام دعاهم ألي وضع التقويم. وضرورة حفر الترع وتوزيع الماء دعتهم إلي التعاون وتنظيم القوي القائمة وفض المشاكل و المحافظة علي الحدود دعاهم إلي نظام الملكية.و لا يزال ملموساً ما بين التقويم المصري والزراعة من علاقة. فالفلاح حتى يومنا هذا يستعمل الشهور المصرية فيزرع في بابه و يقلع في هاتور و هلم جرا. وكانت السنة المصرية مقسمة إلي ثلاث فصول في كل فصل أربعة شهور. فصل الفيضان فصل الزراعة فصل الحصادوكانوا يحددون الحوادث بأن يقولوا حدث هذا في الهلال الأول من فصل الفيضان أو الهلال الثاني من الزراعة أو الثالث من الحصاد. علي أن الشهور القبطية كما نعرفها كانت معروفة أيضاً.وبينما كانت الشعوب الأخرى كالكلدان وغيرهم يؤرخون بالشهور القمرية وهي غير منتظمة المواعيد اهتدت (كيمي) إلي تقسيم السنة إلي أثني عشر شهر . في كل شهر ثلاثين يوماً وأضافوا إلي ذلك خمسة أيام وسموها بالشهر الصغير و جعلوها موسم أعياد وابتهاج. فهذا العيد الذي نحتفل يه يوماً وأحداً كان يحتفل به أجدادنا أياماً بل شهراً وأن كان كما سموه شهراً صغيراً.
(4)اليوم عيدعيد كيمي أول من دون العلوم.لقد عرف سكان هذا الوادي الكتابة واهتدوا إلي أدوات الكتابة قبل أي أمة من أمم الأرض. ومن أبجديتهم أقتبس الفينيقيون وغير الفينيقيين من البشر.أما أدوات الكتابة فقد عرفوا الحبر و صنعوه من أصباغ النباتات مخلوطة "بالدلال" أو "السكن". كما اتخذوا من الغاب أقلاماً. ومن البردي أوراقاً. Paper الإفرنجية لا تزال تشير إلي اشتقاقها منpapyrus أي البردي.أن الكتابة فقد تطورت فيها من الإشارات والرموز إلي الحروف الصوتية. وكانت أبجديتهم تحتوي علي أربعة وعشرين حرفا ساكناً. وليست عندهم متحركات. وهذه اللغة بذاتها هي نفس اللغة القبطية مع اختلاف بسيط اقتضته ضرورة تطور اللغة مع الزمن. واختلاف أيضاً في طريقة كتابتها فمن الرسوم الهيروغليفية التي نشاهدها علي المعابد إلي الكتابة الديموطيقية التي كان يستعملها الناس في معاملتهم. إلي الحروف اليونانية التي استعملت قبل العهد المسيحي بقليل وذلك لانتشار اللغة اليونانية والثقافة اليونانية آنذاك وسهولة الكتابة بهذه اللغة. وهم في انتقالهم هذا كانتقال الأتراك في عهدنا هذا من الحروف العربية إلي الحروف اللاتينية مع الاحتفاظ بألفاظ. وعلي هذا فاللغة القبطية أو المصرية أو لسان أهل كيمي التي ندعو إلي تعميم انتشارها هي هي لغة هؤلاء الأجداد الأمجاد الذين كان لهم فضل السبق في كل نبيل وعظيم من الأعمال . ,انه لعار أيا عار علي أمة لها هذا الماضي، وهذا التاريخ الحافل بالمجد. أن تنكر ماضيها إلي هذا الحد.أن لسان الأمة كيانها. فإذا فقدت الأمة فقدت كيانها. وإذا شاءت أن تسترد كيانها كان لزاماً عليها أن تسترد لسانها.
(5)اليوم عيد. عيد كيمي أول من وضع للثواب والعقاب يوماً معلوم.قال الريحاني أن مصر أول من قال للحياة نعم. وأول من قال للموت لا. وأنها لكلمة داويه قوية لم يقلها قبلهم أحد. فكما ملكت الحياة علي المصري قلبه ملك عليه الموت تفكيره. وأن حول الموت تقوم كل الديانة المصرية والفلسفة المصرية والتفكير المصري والفن المصري. وبينما كان الناس في غير مصر يعيشون كالأنعام ويرون في الموت نهاية كل شئ. كان أبناء هذا الوادي يرون أن الموت طريق كل حي. ولكن طريقه إلي حياة أخري أبقي من هذه الحياة وأهناء . وكانوا يعتقدون أنهم في الحياة الثانية سيحتاجون إلي هذه الأجسام. فحفظوها من أيدي العابثين بالمقابر أو الأهرامات. وقامت حول المقابر المعابد تقام فيها الصلوات للموتي. وتقدم فيها أنواع الطعام. أما يوم الحساب فنجده مرسوماً في أول كتاب في العالم هو "كتاب الموتى". وفيه نري الميت وقد جئ يه للمحاكمة في أكفانه البيضاء. ونصب الميزان ميزان العدل والحق. ووضعت في إحدى الكفتين ريشة تمثل العدل والحق. وفي الأخرى قلب الميت. ووقف توت أو تاخوتي كاتب الآلهة يراقب ويدًون وراءه وحش ينتظر أن يلتهم الجثة إذا ما مالت موازينها. وقريب من هذه الصورة ما نراه من الصور الدينية التي نشاهد فيها ملاكاً بيده ميزان وتحت قدميه تنين. ولكن شتان بين صورة و صورة وفن و فن. هذه تمتلئ بالحياة وهذه لا حياة فيها ولا فن.هذه صورة موجزه لأولئك الذين قالوا للموت لا فكانت كلمة داويه لم يقلها قبلهم أحد. ولم يقلها بعدهم أحد حتى العصر المسيحي إذ نجد بولس يقول أين شوكتك يا موت وأين غلبتك يا هاوية!
6)اليوم عيد. عيد كيمي أول من حمل مشعل المدينة في ليل من الجهالة بهيم.أيها السادة. كلنا أو أكثرنا رأي الأهرامات. وأنا أريد أن أقف قليلاً أمام أحدها وهو هرم خوفو فهو أول و أكبر شاهد علي ما بلغته مصر من المدنية في ذلك العهد السحيق حوالي 2885 قبل الميلاد. فماذا نري ! نري جبلاً من الأمجاد أقامه رجال لهم من عزمات الجن امضي وعقول كعقول الجبابرة. يقوم الهرم علي أرض مساحتها 13 فداناًويتكون من 2,300,000 كتلة حجرية.وزن كل كتلة بين طنين وثلاث أطنان.ارتفاعه 500 قدم.وطوله الجانبي 756 قدم. وتتجه كل زاوية من زواياه إلي جهة من الجهات الأربع الأصلية.وأشتغل في بنائه مائة ألف عامل يعملون في زمن الفيضان من كل عام.وأن عملية تنظيم هذا الجيش من العمال و تموينهم يحتاج إلي زعماء مدربين تحت رعاية الملك. يقول برستر أن الرجل الذي يستطيع أن يقوم بعمل في هذه الروعة والفخامة لأعظم و أقوي رجل عرفه التاريخ.فإذا انتقلنا من الهرم الأكبر إلي المقابر الأخرى التي نشأت فيها الأسرة الخامسة رأيناها سجل حافل بالحوادث. فقد ازدانت قصور الحياة الاجتماعية في ذلك العهد.هنا منظر الزارع يزرع. والراعي يرعي ماشيته وأغنامه. والثيران تجر المحراث. ولكنك لا تري الحصان في هذه النقوش لأنه لم يكن معروفاً في مصر. ولكن استعملت لنقل المحصول من الحقول. وهذا هو النحاس يعمل في النحاس. وقد بلغ الغاية في صنعته حتى أنه ليستطيع أن يصنع أنبوباً من النحاس طوله 1300 قدم لمعبد الهرم.وهذا هو الصائغ بين كوره وصبيانه وهو يصوغ من الذهب أدق وأجمل أنواع الحلي. التي كانت تزدان بها الحسان. وهي الآن زينة المتاحف في مختلف البلاد.وهذا هو الخزاف يصنع أذانين من الخزف بارعة. والزجاج يعمل فن الزجاج الرائع. وهؤلاء نسوة يعملن في الأنوال. وأن نسيجهن كما يقول برستر ليفوق الحرير نعومة وأتقانا. وهنا أكوام من البردي يقوم الصناع علي بسطها وصنعها ورقاً لتصديرها إلي سوريا وغير سوريا من البلدان فكانت بذلك مصر و ظلت أول معمل للورق في العالم حوالي 3000 عام.وهذه صورة أخري صورة نبيل من الأعيان قد عاد من عمله فأنتحي ناحية ظليلة من الحديقة فهرعت زوجته لاستقباله وأخذت مكانها إلي جانبه فهي التي تشاطره الحياة بسرائها وضرائها. وتتساوي معه في الحقوق والواجبات وهنا يجب أن ننوه لهذه المكانة السامية للمرأة في المجتمع المصري القديم. وأن نذكر بأن الحجاب كما نعرفه الآن لم يكن معروفاً في مصر. فهو مجلوب إليها من العرب. وليس من طبيعة أهلها. فلا غرابة إذا رأينا المصريات سافرات ولكن الغرابة أن نراهن غير ذلك.وفي الحديقة تقضي العائلة أكثر أوقات فراغها بين لهو و تسلية. فالأولاد يجرون والبنات يرقصن وهنا وهناك صوت موسيقي وطرب وهكذا يمر الوقت بين لهو وسمر ومرح وهناء.فإذا جاء ميعاد الغداء دخل السيد إلي منزل رحب واسع الغرفات . بني منن الطوب الأخضر والخشب. واتسعت نوافذه للهواء والنور. أما الجدران فحاجز بسيط (نص طوبة) بين غرفة وأخري وقد ازدانت الحيطان بوهكذا نجد أن البيت تحفة فنية جميلة. فالمصري الذي قال للحياة "نعم" قالها من كل قلبه. فأحب فيها الضوء والجبال ولك ما تقع عليه عينه وتلمسه يده ويحوط به جميل جميل. فالملاعق التي يستعملها – وكوب الخمر التي يشرب بها. ومقاعده التي يجلس عليها. (كلها قطع فنية بارعة جميلة) والسقف الذي يعلوه والجدران التي تحيط به كله رسمت وزخرفت وأبدع في تجميلها الفنان أيما إبداع. وهنا يجب أن أنوه بأن طبيعة المصري الأول كانت كما رأينا تحب الحياة بما فيها من و متع مستساغة. ولم يكن ذلك التاريخ الزاهر الذي نراه في العصور المتأخرة حالة طارئة نشأت عن زوال المجد وطول الاستعباد و تشوه الاضطهاد
(7)هذه أيها السادة صورة موجزة بل شديدة الإيجاز عن حالة مصر في عهد الأهرام أي منذ 4000 عام عرضتها عليكم. لا لأقطع بها وقتي ووقتكم. ولكن لكي أستثير هممكم وأستعيد لكم ذكريات مجدكم. يقول المثل العامي " اللي ملهاش قديم ملهاش جديد " وأقول أن من لا يكبر في المجد فلا والمثل الثاني يقولوأنا أفتش هذه الدفاتر القديمة لأبحث عن جذوة نار أنفخ وتنفخون فيها فتكون باراً بل نوراً يضئ لنا الطريق إلي المعرفة
أيها السادة أكثروا من هذه الأعياد و المناسبات ورددوا فيها الذكريات. حوطوا أنفسكم بكل مصري لتكن عاداتكم وأسماؤكم ولغتكم وطراز أثاثكم وبناء بيتوكم ولك شئ فيه وعليه الطابع المصري الخالد
.أيها السادة هذا ماضيكم فاقتبسوا منه واذكرونه ان كنتم تريدون أن تصلوا