كيمى واللغه القبطيه لغة كيمى

بولس سلامه (دار آمون-الخرطوم)

 

اسمحوا لى بادىء ذى بدأ ان اتقدم بالشكر الجم للاب المحترم ابونا فلوثاوس ان اتاح لى فرصه المشاركه فى هذه النهضه الروحيه المباركه. وقد لبيت الدعوه فى غير تردد او توان  على علم منى بان اسهامى فى الكلام عن التراث الثقافى سيكون ضئيلا وجهدى فيه قليلا.  وعلى الرغم من ضيق فى الزمن وكثره من المشاغل فقد لبيت الدعوه من غير تردد او توان لانى لا اعرف موضوعا احب الى النفس واعلق بالقلب من الكلام عن تراثنا الثقافى الثرى بالمفاخر والامجاد.  لا حبا فى الكلام لمجرد الكلام والا كان ذلك لهوا وجدلا لا طائل تحته ولكن رغبه فى استنفار الهمم وايقاظ النفوس والتزود من الماضى زاد للمستقبل الذى نرجو جميعا ونعمل جميعا لكى يكون امتدادا لماضينا الذى نعتز به.

ايها الاعزاء لقد طلب منى ان اتكلم عن الجانب الثقافى فى تراثنا.  وعن اللغه وعن الفن وعن دور الكنيسه القبطيه فى تطويرها والحفاظ عليها ولقد تملكتنى الحيره فلا اعرف من اين ابدأ فمجال الكلام فيهما متسع وليس فى الوقت سعه.  ولذلك فسيكون الكلام فى هذه الندوه عن اللغه وحدها فلنبدأ من البدايه.

اولا: أريد ان ازيل من الاذهان بعض ما اصابها من اللبس من سوء استعمال المسيمات.

نحن نتكلم عن التراث القبطى واللغه القبطيه والفن القبطى والاقباط او القبط،  فلنا ان نتساءل من اين جاءت هذه التسميه ومتى؟

يقول لنا ثقاه المؤرخين بان كلمه قبط جاءت مع الفتح العربى واطلقت على سكان هذا الوادى الممتد من اسكندريه شمالا الى الشلال الاول جنوبا والذين كانوا يدينون بالديانه المسيحيه وظلوا عليها بعد الفتح. أما أجبت التى اطلقها اليونانيون على هذه البقعه والكلمه ماخوذه من الكلمه اليونانيه اجيبت. أما العبرانيون والاشوريون فقد اطلقوا عليها اسم مصر. ولكن  هل كان ذلك الاسم الصحيح اللذى عرفه اجدادنا القدماء؟

كلا – ان هذه البقعه من الارض كانت منذ اقدم عصورها وحتى القرن الثالث المسيحى اعنى اكثر من 5000 عام تعرف باسم "كيمى" او "كيمه". وهذه الكلمه مشتقه من كام او خام بمعنى السواد وذلك نسبه لتربه مصر السوداء تمييزا لها من الصحارى التى تمتد بحذاء النيل شرقا وغربا والتى سماها القدماء "دشر" اعنى الحمراء نسبه لرمالها الصفراء.

اذا فالبلاد التى سماها جيرانها مصر كان اسمها الصحيح كيمى وكان سكانها يسمون رجال كيمى

... او اهل كيمى وكانوا يسمون لغتهم لسان كيمى ....... وظل هذا الاسم معروفا ومتداولا كتابه وكلاما ونقشا على الحجر واوراق البردى حتى القرن الثالث المسيحى ولدينا دليل صادق على ذلك.

فقد جاء فى انجيل متى  باللغه القبطيه الاصحاح الثانى العدد الرابع عشر الايه اتلوها عليكم باللغه القبطيه ................

When he arose, he took the young child and his mother by night, and departed into Egypt:

وترجمتها الحرفيه " فقام (يوسف) واخذ الصبى وامه ليلا وانصرف الى كيمى (اعنى مصر)

ونخلص من هذا  الى القول بان البلاد التى سماها العبرانيون مصر واليونانيون اجيبت والعرب قبط

انما هى كيمى والانتساب اليها كيميي واهلها كيميون

وقد تقول لى ما قاله شكسبير ليس فى الاسم شىء ذى بال واقول لك كلا فان اسم كيمى عرفت به مصر فى ايام عزتها وانتصارها وازدهارها. يوم كانت منارا يشع الحكمه والدين للعالم. فالكلمه "كيمى"  تبعث فى النفس شعور العزه والكرامه والتحدى. بل هذه الكلمه الصغيره انها لتنثر امالك اذا تأملتها مواكب زاخره وصورا باهره فيمر فى خاطرك وتنقل بزهنك، خوفو بانى الهرم وامحوتب واضع الحكم وتحتمس مدوخ الامم، وتترأى امام بصرك صور عظماء رجال كيمى امثال اخناتون الموحد وانطونيوس المتعبد.... وشنوده الوطنى المكافح.....

ان فى الاسماء ما يبعث فى النفس الزهو والفخار ومنها ما يبعث فى النفس الوعد والانحسار فما احرى بنا ان نذكر هذا ونتدبره  جيدا ليكون نقطه انطلاق ونقدم نحو افاق اوسع وامال اعرض وغايات اسمى

ثانيا : نحن نسمع ونقرا ونتكلم كثيرا عن اللغه الهيروغليفيه واللغه الديموقطيه واللغه االقبطيه . فما هذه المسميات، هل هى مسميات للغه واحده ام لثلاث لغات، اريد ان ازيل اللبس عن هذه المساله ايضا فاقول اعتمادا على ابحاث الثقاه من المتخصيصين فى الدراسات القديمه بان كيمى او مصر عرفت على مدى تاريخها الطويل الذى يمتد خمسه قرون قبل الميلاد او تزيد عرفت لغه واحده، ومرت هذه اللغه بمراحل متعدده وكتبتت بخطوط متعدده وتعرضت على مر الزمان الى كثير من التغيير فاختفت منها كلمات واضيفت اليها كلمات ولكنها كانت فى صميم مفرادتها وتراكيبها لغه واحده واليك البيان:

(1) العصر القديم من حوالى 3160 – 2240 ق.م. ومنها نصوص الاهرامات

(2) العصر الوسيط حوالى 2240 – 1990 ق.م. وبها جميع الكتابات التى اكتشفت فى ذلك العصر وحتى العصر اليونانى – الرومانى

(3) العصر المتأخر من 1573 – 715 ق.م. وتوجد فى هذا الطور خطابات ومستندات وقصص

(4) العصر الديمطيقى من 710 ق.م. الى 470 ميلادي

(5) العصر القبطى ويبدأ من القرن الثالث الى الفتح العربى ثم يمتد الى القرن السادس عشر وفى هذا العصر ترجمت الاناجيل والتوراه وكتبت الشروح والطقوس والعظات المسيحيه

اما الخطوط التى كتبت بها هذه اللغه فكانت:

اولا: الخط الهيروغليفى وكان ينقش على التماثيل والمعابد وظل مستعملا حتى القرن الاول للمسيح. وكانت الكتابه به فنا زخرفيا رائعا ولا نزال نراه منقوشا على الاثار ومطبوعا بالالوان الزاهيه الجميله

ثانيا: الخط الهيراطيقى وقد استعمله الكهنه للكتابه على ورق البردى واختزلوا فيه الكتابه الهيروغليفيه التماسا للسرعه.

ثالثا: الخط الديوطيقى: ويعنى كتابه الشعب وقد بدىْ به حوالى 900 قبل الميلاد واستمر حتى القرن الاول للمسيح او ما قبله قليلا

رابعا: الخط القبطى: وقد استمر قبل القرن الاول للمسح بقليل واستعملت فيه الحروف اليونانيه بعد ان اضيفت اليه ست احرف من الخط الديموطيقى

وبهذا الخط كتبت الاناجيل والتوراه والاداب المسيحيهوسبب اتخاذ هذا الخط هو انتشار اللغه اليونانيه فى المنطقه بعد فتوحات الاسكندر وتولى البطالسه. حكم مصر. وازدهار الثقافه اليونانيه  الهيلنيه فى الاسكندريه يعد تاسيس مكتبتها واقامت الميوسيم الذى كانت تدرس فيه الفلسفه اليونانيه سيما الافلاطونيه المجدده..


هذا من جانب ومن الجانب الاخر لسهوله الكتابه بالاحرف اليونانيه اذ كانت الخط اليموطيقى عسيرا على الكثيرين، وظلت الكتابه القبطيه سائده فى البلاد حتى الفتح العربى. ثم بدات موجه الانحسار تدريجيا. ففى عهد الخليفه مروان عبد الملك عربت الدواوين واضطر الكتاب المسيحيون (اعنى القبط) الى تعلم اللغه العربيه احتفاظا لمراكزهم فى الدوله. ثم جاء العهد الفاطمى فمنع التحدث باللغه القبطيه منعا باتا.

ولكن ظلت اللغه فى البيت القبطى حتى القرن السادس عشر ثم اخيرا اختفت من البيت لاذدياد نفوذ اللغه العربيه وتغلغلها فى حياه الناس ولجات اللغه اخيرا الى ملاذها الاوحد والاخير وهو الكنيسه. وظلت الكنيسه ترعاها وتحفظها وظلت الطقوس الدينيه تمارس بها حتى القرن التاسع عشر.

وجاءت مع بدايه القرن التاسع عشر النهضه التعليميه فى البلاد وفتحت المدارس الحكوميه واقبل عليها الطلاب التماسا للوظيفه. وهجرت الكتاتيب التى كانت تعلم اللغه والحساب القبطى وجاء جيل جديد لا يعرف لغه بلاده وطالب بان تكون خدمات الكنيسه بلغه يفهمها. ولما كانت رساله الكنيسه رساله روحيه اولا وقوميه ثانيه فقد لبت الطلب ودخلت العربيه الكنائس وظلت تزحف حتى كادت تطرد اللغه الاصليه من العباده الا قليلا. وعادت اللغه القديمه حبيسه فى المتاحف والاديار وفى مكتبات اوربا لا يكاد يعرفها من ابنائها الا القليل.

والان نخلص من هذا الى القول بان ما نسميه باللغه القبطيه انما هو اللغه القديمه التى عرفتها البلاد منذ اقدم عصورها.وفى ذلك يقول العالم المصريولجى السير ولسن بدج ما يلى: اللغه القبطيه مع تغيير فى الخط والولاجه نفس اللغه التى كانت تكتب بالخط الهيروغليفى والخط اليراطيقى على المعابد   اوراق البردى فهى بذلك لغه اهل مصر (القبط)

والان فلننتقل الى الدور الذى لعبته الكنيسه فى الحفاظ على اللغه فنذكر الحقائق التاليه:

جاء القديس مرقس الى الاسكندريه عام 70 بعد الميلاد وبشر بالانجيل واسس الكنيسه المرقسيه واقام لها بطريركا

انتشرت الديانه المسيحيه من الاسكندريه الى باقى المدن على ضفاف النيل فى ان جاء القرن الثانى حتى عين البطريرك اساقفه لهذه المدن وبدأ عدد كبير من المسيحيين حياه التنسك

كان من سرعه انتشار المسيحيه فى الصعيد ان ظهرت الحاجه الى ترجمه الكتب المقدسه الااللغه القبطيه

بدأت الترجمه من اليونانيه حوالى عام 200 بعد الميلاد وفى مقدمتها الاناجيل والمزامير

فى عام 320 ميلاديه انشئت للقديس باخوميوس ديره فى تابينتا. وكانت تتلى فى الدير المزامير يوميا باللسان القديم وكان الرهبان يدرسون الاناجيل ويحفظونها عن ظهر قلب

 ومن هذه البيانات يمكن القول بان الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد كان مترجما للغه المصريه القديمه ومقرؤا بهما فى اوائل القرن الرابع المسيحى.

ونخلص من هذا الى القول بان علماء الكنيسه المصريه واحبارها نقلوا الكتاب المقدس الى اللغه القبطيه وجعلوه متاحا لابناء الكبيسه فى القرن الثالث المسيحى وبذلك حافظت الكنيسه على لغه الميلاد وانقذتها من الضياع. وبفضل هذا الصنيع استطاع العلماء فى جامعات اوربا ان يدرسوا اللغه ويرسوها للطلاب. وصار لهذه اللغه فى انجلترا وفرنسا وايطايا والمانيا وغيره من الدول كرسى خاص.

ليس ذلك فحسب بل ان الحفاظ على اللغه القبطيه هو الذى مكن علماء اوربا وعتى رأسهم جاك فرنسوا شمبليون من اكتشاف اسرار اللغه الهيروغليفيه قبل غيره من العلماء الانجليز وذلك لسسببين.

السبب الاول انه كان مقتنعا اقتناعنا صحيحا بان اللغه القبطيه هى اللغه المصريه القديمه ولذلك اقبل على فهمها واجادتها اجاده كامله مما اعانه على اكتشافه للابجديه المصريه وفك الرموز والطلاسم الهيروغليفيه التى ظلت مستعصيه على الفهم والتفسير.

اذا فنحن نستطيع ان نقول فى اطمئنان وثقه بان العالم كله مدين للكنيسه المصريه التى حافظت على اللسان المصرى وبذلك اعانت العلماء على كشف اسرار الخط الهيروغليفى وفتحت للباحثين افاقا جديده فى البحث والتنقيب عن اثارنا القديمه وعن تاريخنا القديم واضافوا بذلك الى تاريخنا صفحات مشرقه بالمجد والفخار.