المسيح والثوره

 

·       منذ ألفين من الأعوام إلا عقود قليله وفي قريه صغيره في ولايه صغيره من ولايات الدوله الرومانيه في عهد يوليوس قيصر ولد طفل صغير ضنت عليه الدنيا بمهد كسائر الأطفال فأضجعته أمه في مزود حقير في الغرباء الوافدون.

·       وهكذا ولد المسيح غريباً وعاش غريباً ومات غريباً لم يعرفه ويحبه ويتبعه إلا صفوة قليله من المريدين الصادقين وان أصبحت اتباعه بالملايين علي مر السنين.

 فشق التاريخ إلي شطرين فصار يعرف بما قبل الميلاد وما جاء بعده يعرف بما بعد الميلاد وشرق اسمه وغرب حتى جاوز القطبين.

·       ويجمل بنا اليوم ونحن نحتفل بعيد ميلاده أن نعيد إلي الأذهان قصة الثائر.

 ·       لقد كانت فكرة الله عند اليهود فكرة بدائيه فكانوا يصفون الله بأنه ملك الملوك ورب الأرباب وكانت الجيوش التي يحارب بها وهو الذي ضرب أبكار المصريين بالسيف ليهئ لشعبه الخروج من مصر، وهو الذي أغرق فرعون وسفنه في البحر وهو الذي أوقف الشمس ليوشع حتى يتم له النصر وهو الذي كان يدعوه بعض أبنائهم فيقول – خاصم يا رب مخاصمي – هذه كانت فكرة – الله – عند بني إسرائيل. فجاء المسيح وقال لهم أن لله ليس ملكا للملوك ولا رباً للأرباب ولا قائداً للجيوش ولكنه أب رحيم لكل البشر هو أبي وأبوكم وربي وربكم يشملنا برعايته جميعاً. لا فرق بين صالح وطالح ولا بين حر و عبد ولا بين فقير وأمير فالكل أمامه سواء وهكذا خرج بالفكر الإنساني من نطاقه الضيق إلي أرحب وأرفع مجال عرف،

 وكانت ثوره.

 ·       وكان بنو إسرائيل يحسبون – كعهدهم اليوم – أنهم شعب الله المختار وأنهم دون سواهم من الناس. وغيرهم فالأمم أنجاس لا قدر لهم ولا اعتبار. وجاء المسيح فبدد هذه الأوهام وقال لهم ما دمنا ننتسب إلي أب واحد هو الله فكلنا – كل البشريه له أبناء فالعراقي واليوناني والمصري والروماني وغيرهم من أبناء أدم وحواء كلهم أخوه متساوون أمام الله. وهكذا وضع المسيح علاقة الإنسان وأخيه الإنسان علي أساس من المساواه والإخاء وكانت ثوره.

·       وكان بنو إسرائيل يفخرون بالهيكل الذي بناه لهم الملك سليمان ويعدونه رمز عزهم وعنوان عظمتهم. وفيه المذبح الذي تقدم فيه القرابين والضحايا تكفيراً عن خطاياهم وفيه يقف الكاهن الأكبر مره كل عام يستغفر للناس عن خطاياهم و يكون وسيطاً بينهم وبين الله.

 ·       وجاء المسيح فقال لهم أن هذا الهيكل الذي جعلتموه موضع فخاركم سوف ينتقض من أساسه ولا يبقي فيه حجر علي حجر. وكان يتحداهم أن ينقضوا الهيكل ليقيمه لهم ثانية في ثلاثة أيام. وسألته امرأة من السامره أين تكون العباده الحقه في جبل أورشليم حيث هيكل سليمان أم علي جبل السامره فقال لها المسيح لا في هذا الجيل ولا ذاك فأن الله روح والذين يعبدون الله فبالروح يعبدونه، وجعل علاقه الإنسان بربه علاقه مباشره لا يقوم فيها وسيط من الكهان و لا يكون رضاء الله فيها وقفا علي الذبائح والهدايا والنذور ولكن علي نقاء القلب وطهارة الضمير

 وكانت ثوره.

 ·       وكان بنو إسرائيل يقدسون السبت حسب شريعة موسى وكانوا يسرفون في ذلك إسرافاً شديداً فأذا مات لهم ميت لم يدفنوه وإذا مرض لهم مريض لم يسعفوه بالدواء فيه. وإذا احتاج أحدهم للطعام لم يبتاعوه فيه فقال لهم المسيح أن السبت قد جعل لخير الإنسان وراحته ولم يوجد الإنسان للسبت وكان يتحداهم فيصنع المعجزات في يوم السبت وكان يقول أن أبي يعمل وأنا أعمل في السبت.  وهكذا حرر المسيح الإنسان من القيود الجائره التي وضعها الناموس وجعل خير الإنسان هو الهدف الأول والأسمى للقوانين في كل زمان ومكان وكانت ثوره.

·       وكان بنو إسرائيل وخاصة الفريسيون منهم يطيلون الصلوات ويتباهون بالصوم والصدقات ويحرصون علي أداء العشور للهيكل يجعلون من ذلك موضع تفاخر ومباهاة بينهم. فجاء المسيح وقال لهم فيم إطالة الصلوات وتكرار الدعوات أليس الله بعالم بما تحتاجون إليه، دعوا هذا النفاق واستروا صيامكم وصلواتكم بالكتمان وعلمهم صلاة قصيره لا تزيد كلماتها علي ثلاثين كلمه هي سر المسيحيه ولبابها المختار وهكذا قضي السيد المسيح علي النفاق الاجتماعي

 وكانت ثوره.

·       وكان بنو إسرائيل في عهد المسيح  يعيشون تحت سيادة روما. وكانوا يحلمون باسترداد ملكهم الضائع ومجدهم المفقود. ويتطلعون إلي المسيح المنتظر الذي يعيد لهم ملك سليمان وداود وكانوا – كدأبهم اليوم – يخلطون بين الدين والسياسه وجاء المسيح وظن اليهود أنه سيكون المخلص المرتجي والملك الموعود فقال لهم أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله ...فجعل فاصلا بين الدين والدوله

 وكانت ثوره.

·       هذه هي الثوره التي خرجت من بيت لحم منذ ألفين إلا قليلاً من الأعوام وقد قام اتباعه من بعده بنشر تعاليمه بين الطبقات المستضعفه وظلت تسري في الخفاء سنيناً حتى بلغت أثينا ورومه وإسكندريه وغيرها من البلدان .... ثم امتدت من أكواخ الفقراء إلي الأغنياء ودخل فيها الأمراء والملوك وظن الناس أن الثوره قد بلغت نقطه انتصارها ولكنها كانت في الواقع قد بلغت نقطه انحسارها. فما أن اعترف بالديانه المسيحيه كدين للدوله حتى تجمدت – الثوره – وبدأت – الديانه – فعادت الإسرائيليات وعاد الهيكل والكهنوت وسار الدين في ركاب الدوله يباركها ببركات السماء وترعاه بخيرات الأرض وقوة الملك ورفعت الرايات والصلبان جنباً إلي جنب وانقسمت المسيحية إلي طوائف تقتل وتقتل باسم المسيح والمسيح منها براء.

·       واليوم يحتفل العالم بذكري الميلاد  فتنار الثريات وتدق الأجراس. ويلبس الصبيان والصبايا القشيب من الثياب. وتوزع الهدايا علي الأحباب كل ذلك في ذكري ذلك المولود الذي ضنت عليه الدنيا يوم مولده بمهد صغير فأضجعته أمه في مزود حقير للحيوان في خان يؤمه الغرباء الوافدون علي بيت لحم.

·       وألان أين نحن الآن من الثوره بعد عشرين قرناً من الزمان.